البحث البلاغي بين الاستشراق والاستغراب

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس البلاغة والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدسوق جامعة الأزهر

المستخلص

إن ظاهرتي الاستشراق والاستغراب لم تتقابلا في الأهداف والغايات كما هما متقابلتان في الطباق بين لفظيهما، بل كان كل من التوجهين من أبناء الغرب في الاستشراق ومن أبناء العرب في الاستغراب يخدم _في أكثره_ فكرا واحدا وهدفا واحدا وغاية واحدة، وهو فكر الغرب وأهدافهم ورغباتهم.
ظاهرة الاستشراق هي ظاهرة قام عليها مجموعة من الغربيين الذين تفرغوا لدراسة الحضارة الإسلامية والعربية، وصرفوا لها همومهم بحثا ودراسة وتحقيقا وترجمة، فكانت لهم إسهاماتهم الإيجابية والسلبية، فبعضهم درس حضارتنا وأبرز عظمتها، وكثير منهم طعن فيها وبث سمومه قدحا وكذبا وتدليسا، وفي جانب البحث البلاغي انحصرت الآثار الإيجابية على جانب التحقيق والفهرسة، كتحقيق المستشرق: (ريتر) لأسرار البلاغة، وكذلك المعاجم المفهرسة التي قام بها المستشرقون التي يمكن أن يستفيد منها البحث البلاغي في جمع وتصنيف مادته العلمية.
أما جانب التأليف عند المستشرقين فهو الجانب الذي ظهر فيه العوار الكبير في نظرات المستشرقين القاصرة للبلاغة العربية بصفة عامة وأخص بالذكر مجالي إعجاز القرآن الكريم، ونظرتهم للشعر الجاهلي، فقد تناولتهما بحوث المستشرقين قبل أن يتحلوا بالأهلية التي تمكنهم من الإصابة في هذا المجال، فظهرت في بحوثهم مغالطات جمة واتهامات خطيرة.
أما الاستغراب فمعناه في اللغة يأتي على معان كثيرة تعود في معظمها إلى معنى مغيب الشمس والجهة التي يحدث فيها هذا المغيب، وعلى هذه المعنى الأساس فعند دخول الألف والسين والتاء على مصدر هذا المادة يكون معناها طلب ما عند الغرب من علوم ومعارف وفكر وثقافة، وفي الاصطلاح هو ظاهرة نفسية واجتماعية وثقافية معاصرة، يتميز الأفراد الذين يجسدونها بالميل نحو الغرب والتعلق به ومحاكاته، وقد أكد البحث أن هذا الميل والتعلق والمحاكاة للغرب لا يصح بحال من الأحوال مع دراسة البلاغة العربية.
وقد ظهر عند المستغربين خلل كبير فيما قبل المنهج بالنسبة لهؤلاء الباحثين الذي هزموا نفسيا أمام هذا الفكر الآخر الذي أسرهم هواه حتى وقعوا في أخطاء جمة كان أبرزها شيوع الاتهامات التي وجهوها نحو البلاغة العربية.
وكان من أوائل من تأثروا بالحضارة الغربية في الفكر البلاغي المعاصر الشيخ أمين الخولي _رحمه الله_ الذي كانت له رؤية أو صياغة جديدة لعلوم البلاغة، ولكن هذه الصياغة كان بها من العجلة والتسرع ما بها، حيث لم يقف الشيخ أمين أولا على معالم البلاغة الرئيسة عند الإمام عبد القاهر الجرجاني _رحمه الله_ ومن حذا حذوه، بل اقتصرت نظرته على كتب المتأخرين _رحمهم الله_ فشاعت في بحوثه اتهامات جمة للبلاغة العربية ضمن نظرته للتخلية والتحلية في البحث البلاغي.
وكان من أبرز رواد هذه الظاهرة الدكتور/ صلاح فضل في كتابه بلاغة الخطاب وعلم النص، والدكتور فضل ناقد كبير وأكاديمي متمكن في فنون الأدب والنقد واللغة، حصل على الدكتوراه من جامعة مدريد بإسبانيا، وهذا الكتاب هو نموذج واضح للتأثر بظاهرة الاستغراب، واعتبار أن الفكر الغربي هو المخرج الوحيد للتنوير بصفة عامة ولدراسة البلاغة بصفة خاصة، وشاعت فيه الاتهامات الموجهة للبلاغة إلى الحد الذي وصل إلى الدعوة إلى هدم البلاغة وعدم محاولة إحيائها مرة أخرى!
وقد اتضح بجلاء أن كلا من الاستشراق والاستغراب قد فشلا فشلًا كبيرا في النهوض بالدرس البلاغي، بل شاعت في دراساتهم الاتهامات الباطلة للبلاغة والافتراء عليها والدعوة لهدمها وعدم محاولة إحيائها، وتبين أن دعوات التجديد كانت هي الستار الذي اختبأت وراءه لإبراز هذه الأفكار وعرضها في ساحة البلاغة العربية، ومع ذلك لم تنجح في تقديم الإضافات التي ادعتها، فلا هي حافظت على الأصول ونفضت عنها الغبار وأبرزت محاسنها، ولا نجحت في عملية الاستيراد الفكري الذي حاولت القيام به كان هذا التساؤل المشروع وهو لماذا فشل الاستشراق والاستغراب في النهوض بالدرس البلاغي؟.
وقد عرض البحث إجابتين لتفسير فشل الدراسات الاستشراقية والاستغرابية في البحث البلاغي، والإجابة الأولى: أن البلاغة العربية تعلقت تعلقا كبيرا بإعجاز القرآن الكريم، ولم تنفك عنه بحال من الأحوال، فاللغة العربية هي لغة القرآن، منه اكتسبت قدسيتها، وبإعجازه تشرفت بلاغتها، وبالتالي كانت كل البدائل المطروحة للبحث البلاغي العربي مطالبة بتقديم إضافات مقنعة في هذا المجال وهو ما تعذر عليهم فعله.
والإجابة الثانية التي عرضها البحث لتفسير فشل الدراسات الاستشراقية في تجديد البلاغة العربية هو خصوصية اللغة العربية في أصولها ومبانيها وأصواتها وكتابتها، مما يجعل تجديد بلاغتها أمرا مقصورا على العودة لأصولها العذبة، وإحياء جهود علمائها الكرام بتجرد وإخلاص.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


  1. القرآن الكريم.
  2. الاستشراق والاستعمار الفكري، علي عبد العظيم صابر، مكتبة توفيق بالقاهرة 2005م.
  3. الاستغراب في التربية والتعليم بالمغرب. طنجة: منشورات كلية الآداب تطوان، 2000م.
  4. الاستغراب في الفكر المغربي المعاصر منشورات كلية الآداب تطوان، 2003م.
  5. أسرار البلاغة، تحقيق الشيخ محمود شاكر، مطبعة المدني بالقاهرة، الطبعة الأولى 1412ه.
  6. الأعلام للزركلي، دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر - 2002 م.
  7. بلاغة الخطاب وعلم النص، د/صلاح فضل، ط: عالم المعرفة، إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون بالكويت 1992م.
  8. بيان إعجاز القرآن الكريم للإمام الخطابي(ت318)ه، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، طبعة دار المعارف الطبعة الثالثة.
  9. تفسير القرآن العظيم (ابن كثير) المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، ط: دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون – بيروت الطبعة: الأولى - 1419هـ.

10.خصائص التراكيب، أ.د/ محمد أبو موسى، من مقدمة الطبعة السادسة، ط: مكتبة وهبة، الطبعة السابعة 1427ه.

11.الخصائص، أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (المتوفى: 392هـ)، ط: الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة: الرابعة.

12.الدراسات العربية في ألمانيا، تطوّرها التأريخي ووضعها الحالي، (البرت ديتريش) جوتنجن، ١٩٦٢ م.

13.دراسات المستشرقين حول صحة القرآن الكريم، ط دار العلم للملايين، بيروت،1979 م.

14.ديوان حافظ ابراهيم ت:أ/أحمد أمين ،أ/أحمد الزين، أ/ابراهيم الإبياري، ط دار العودة -بيروت-لبنان –(د.ت).

15.رسالة في الطريق إلى ثقافتنا للشيخ أبي فهر محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الثانية 1427ه.

16.فن القول، للشيخ أمين الخولي، مطبعة دار الكتب المصرية،1996م.

17.الفواصل القرآنية – دراسة بلاغية، د. السيد خضر، ورقة بحثية منشورة على شبكة المعلومات الدولية بقسم اللغة العربية –كلية المعلمين بالرياض.

18.لسان العرب، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الإفريقى (المتوفى: 711هـ)، دار صادر – بيروت، الطبعة: الثالثة - 1414 هـ.

19.لمحات في المكتبة والبحث والمصادر، محمد عجاج بن محمد تميم بن صالح بن عبد الله الخطيب، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: التاسعة عشر 1422 هـ - 2001م.

20.مداخل إعجاز القرآن الكريم، أبو فهر محمود محمد شاكر، ط مطبعة المدني 2002م.

21.المستشرق (ه _ ريتر)، ومقدمته عن أصول البيان العربي، قراءة في ضوء الاستشراق الألماني، أ.د حامد الظالمي، ص129، ط المركز الإسلامي للدراسات الاستشراقية، العدد السادس 2016م.

22.المستشرقون والدّراسات القرآنيّة، الدكتور محمد حسين علي الصّغير، الناشر: دار المؤرّخ العربي بيروت، الطبعة الأولى.

23.المستشرقون والشعر الجاهلي بين الشك والتوثيق، د/يحيى وهيب الجبوري، دار الغرب الإسلامي بيروت، الطبعة الأولى 1997م.

24.المعجم الأدبي، جبور عبد النور، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٧٩ م.

25.المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، المقدّمة، مطبعة دار الكتب المصرية، 1364ه.

26.منزلة اللغة العربية بين اللغات المعاصرة دراسة تقابلية، أ.د/ عبد المجيد الطيب عمر، ط مركز البحث العلمي وإحياء التراث، الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الطبعة الثانية 1437ه.

27.الوسيط في تفسير القرآن المجيد، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي (المتوفى: 468هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1994م.